بقلم / حبيب العِزِّي
لعلها المرة الأولى التي نخسر فيها كل رهاناتنا حول إمكانية
انتقال السلوك السياسي العربي من مجرد الأقوال إلى حديث الأفعال، فنحن كنا
قد تعودنا طوال العهود الماضية على الاستماع لبيانات الشجب والاستنكار،
لكننا على صعيد الأفعال لا نلمس شيئاً، حتى أصبحنا على قناعة تامة بأن
قياداتنا العربية "والخليجية منها على وجه الخصوص" لا تملك الجرأة ولا
الشجاعة الكافية، ناهيك عن الإرادة السياسية، لاتخاذ القرارات الحاسمة
والاستثنائية، في الأوقات الحرجة التي قد تستدعي اتخاذ مثل تلك القرارات،
حتى جاء هذا الاستثناء التاريخي لقيادة المملكة العربية السعودية في عهدها
الجديد، ليؤكد للجميع بأن أشياء كثيرة قد تغيرت في سياساتها، وأن المملكة
في عهدها الجديد بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز ليست هي المملكة التي
كانت في العهود السابقة.
عاصفة الحزم .. "أول الغيث قطرٌ ثم ينهمرُ" .. أول قرار سعودي
خليجي جريء، يخرج عن الرتابة والتقليدية التي سئم المواطن العربي منها
طوال عقود، وقد نتفق أو نختلف عليها من حيث المبدأ، لكنها بالتأكيد تُعد
خطوة جريئة ومتقدمة جداً، لطالما انتظرها المواطن العربي في مواقف كثيرة
–كانت ولا تزال- تستدعي مثل هذا التحرك السريع وغير المتردد، وأول تلك
المواقف ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وموقفها من حصار غزة الخانق أكان من
طرف الاحتلال أو من الجانب المصري في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي،
ثم موقفها من الحروب المتكررة عليها من قبل العدو الاسرائيلي، أضف لذلك
مواقفها إزاء العديد من القضايا العربية ومنها الربيع العربي، كما موقفها
من جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت قد وقفت في خندق المواجهين لها في
العهد السابق، كما حدث في مصر من دعم للانقلاب على الرئيس الشرعي محمد
مرسي، كل هذه المواقف تحتاج إلى مراجعات كثيرة بما يتسق وسياسات المملكة
الجديدة في عهدها الجديد.
لم نكن نحبذ -كيمنيين- أي تدخل عسكري مباشر في بلادنا، ولم
نكن نريد للأمور أن تصل إلى هذا الحد، لأننا لا نؤمن بتاتاً بثقافة الحروب
ولا التدخلات العسكرية التي لا تجني من ورائها الشعوب غير مزيد من الخراب
والدمار وضياع الدول، ونحن نفضل دائماً لغة الحوار على أي لغة أخرى، مهما
بلغ حجم الخلافات فيما بيننا، لكن تعنت وغرور جماعة الحوثي، ثم الحقد
الدفين للمخلوع علي صالح، كما ضعف الرئيس هادي وافتقاده للكاريزما، كلها
أسباب أوصلتنا إلى هذه النتيجة، لكن يبقى الحوثي وصالح هما السبب المباشر
والرئيس في جلب "عاصفة الحزم"، ويتحملان كل المسئولية القانونية والأخلاقية
التي تترتب عليها، وبمقدمتها تدمير القوة العسكرية والحربية التي كان
يملكها الشعب -على تواضعها- والتي كانت قد نهبتها وصادرتها المليشيا
المدعومة من صالح وعصاباته والموالين له ونقلها إلى صعدة، كما استولت عليها
في باقي المدن اليمنية، والتي هي بالطبع في نظر صالح مجرد واحدة من
أملاكه الشخصية، فإذا كان الرجل ينظر للوطن بأكمله" أرضاً وشعباً" على أنه
واحداً من ممتلكاته الشخصية، فما بالك ببضع من قطع من السلاح هنا أو هناك....متابعة القراءه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا لمشاركتكم ..... سيتم عرض التعليق الان مباشرتاً
في حال ان التعليق خالف قواعد النشر سيتم ازالته